يتداول المهتمون والمتخصصون في المذاهب الفكرية مصطلح الحركة النسوية ، فما المراد بهذا المصطلح ؟ وما أصله ؟ وما ظروف نشأته ؟ وكيف انتقل للشرق الإسلامي؟
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة ، يحسن أن أقدم بمقدمة مختصرة عن المرأة في الإسلام ، مما سيكون له صلة مباشرة بهذا الموضوع .
المرأة في الإسلام :
تقوم نظرة الإسلام إلى المرأة على ثلاثة أصول :
الأول : التكريم: فالإسلام كرّم المرأة ، ويظهر التكريم في إعلانه إنسانية المرأة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا }[النساء:1].
ويظهر أيضا تكريم الإسلام للمرأة في الأمر ببرها والإحسان إليها ومعاشرتها بالمعروف أما وأختا وزوجة .
أما الأم ، ففي الحديث :(من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك ..).أخرجه مسلم .
وأما الزوجة ، ففي الحديث :(خيركم خيركم لأهله).أخرجه الترمذي وابن ماجه .
وأما البنت ، ففي الحديث :(من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كنّ له ستراّ من النار).أخرجه البخاري ومسلم .
الثاني : العلاقة بين الرجل والمرأة تقوم في الإسلام على التكامل ، وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :(النساء شقائق الرجال). رواه أبو داود .
ومعنى التكامل : ما خلقه الله في الرجل والمرأة من ميل أحدهما للآخر ، وارتباطهما عن طريق الزواج .
الثالث : ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الأجر والثواب :
{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}[آل عمران:195]
وساوى بينهما في العبادات {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ }[الأحزاب:35].
وساوى بينهما في الحدود والعقوبات{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ}[المائدة:38]{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي }[النور:2].
والمساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام ليست مساواة مطلقة ، نظرا للفوارق الطبيعية بينهما ولاختلاف وظائفهما {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى }[آل عمران:36].
الحركة النسوية الغربية :
المراد بالحركة النسوية الغربية : حركة قامت في الغرب في القرن التاسع عشر الميلادي تبعا لظروف دينية واجتماعية تهدف لحرية المرأة ومساوتها بالرجل ، وإلغاء الفوارق الطبيعية بينهما .
أما ظروف نشأة الحركة النسوية : فإن المرأة في أوربا كانت تعاني من الإهانة والتسلط والإذلال، بناء على رؤية اليهودية والنصرانية لها من خلال كتبهم المحرفة إذ ترى اليهودية والنصرانية في كتبها المحرفة أن المرأة هي رأس الخطيئة لأنها هي التي أغوت آدم عليه السلام حسب زعمهم ، ولذا قالوا عن المرأة أنها شيطانة وملعونة وليست بذي روح . وبناء على هذه النظرة مُنعت المرأة في أوربا في عصورها المظلمة من التعليم والعمل .
في القرن الثامن عشر الميلادي بدأت حركات التحرر والثورة على الدين النصراني المحرف والثورة على النظرة للمرأة ووضعها في المجتمع الغربي ، وفي سنة (1837م) ظهرت النسوية كمصطلح بعد أن صاغه الفيلسوف الفرنسي (شارل).
كانت الحركة النسوية في بدايتها تدعو لحرية المرأة ومساواتها بالرجل لان المرأة في الغرب كانت تعاني الظلم والاضطهاد والإهانة .
وأصبح هذا الأساس أعني حرية المرأة ومساواتها بالرجل أساسا في الدول والثورات والمواثيق التي صدرت بعد ذلك .
فالثورة الفرنسية التي قامت سنة (1789م) والثورة الأمريكية التي قامت سنة (1775-1783م) رفعتا شعار حرية المرأة ومساواتها بالرجل .
والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته هيئة الأمم المتحدة سنة (1948م) ينص على مساواة المرأة بالرجل .
واتفاقية (السيداو) أو (اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة) التي صدرت من الأمم المتحدة سنة (1979م) جاءت (ستة عشر) مادة منها من مجموع (ثلاثين) مادة تقرر حرية المرأة ومساواتها بالرجل .
وأقامت الأمم المتحدة مؤتمرات للصحة والسكان قررت فيها حرية المرأة ومساواتها بالرجل ، ومن أخطرها مؤتمر السكان بالقاهرة الذي أقيم سنة (1994م) ومؤتمر بكين سنة (1995م) وهو أخطرها .
ركائز الحركة النسوية الغربية :
قامت الحركة النسوية الغربية على ثلاث ركائز ، هي :
الركيزة الأولى : المساواة : وسبق بيان كيفية ظهورها وظروف ذلك ، وأثر ذلك على الثورات والاتفاقيات والمؤتمرات التي ظهرت بعدها .
الركيزة الثانية : الجندر : وهو مصطلح أممي ، يراد به الغاء الفوارق الطبيعية بين الرجل والمرأة بمعنى أن الانسان نوع واحد فلا يصح أن يقال ذكر وأنثى إنما يقال إنسان .
وترتب على ذلك آثار خطيرة على الفرد والأسرة والمجتمع ، هي :
1-إقرار حقوق المثليين من الرجال والنساء .
2-إباحة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج .
3-تقرير حق الإجهاض .
4-محاربة الوظيفة النمطية –كما يسمونها-للمرأة كالزواج والإنجاب والأمومة .
الركيزة الثالثة : الضحية : وتعني أن المرأة ضحية الرجل ، وبناء على هذا عادت الحركة الرجل، وجعلت العلاقة بين الرجل والمرأة قائمة على أساس الصراع .
متى وكيف انتقلت الحركة النسوية إلى الشرق الإسلامي؟ :
انتقلت الحركة النسوية من الغرب إلى الشرق الإسلامي في القرن العشرين الميلادي ، وكانت مصر أول دولة عربية دخلتها الحركة النسوية ، ونشأ في تلك الفترة الاتحاد النسائي في القاهرة الذي أسسته (هدى شعراوي) سنة (1923م) التي كانت على علاقة بالقناصل الأجنبية . ولذا فالحركة النسوية ربيبة الغرب ووليدة الاحتلال الأجنبي ، وتمددت الحركة النسوية بعد ذلك إلى بقية العالم الإسلامي كالمغرب والعراق والشام .
فالاحتلال الأجنبي والقوى الغربية أكبر عامل ومؤثر في ظهور الحركة النسوية في العالم الإسلامي ، ولا تزال القوى الغربية تتعاهد هذه الحركة وتقدم المساندة المادية والمعنوية لها .
وهناك ظروف وأسباب أخرى ساعدت على ظهور الحركة النسوية : (ضعف المسلمين ، الجهل بالإسلام وشرائعه ، ظهور الحركات الباطنية المنحرفة مثل الصوفية والرافضة ، ضعف أثر العلماء والدعاة ، وانتشار الخرافة والدجل ..).
تعريف الحركة النسوية في الشرق الإسلامي :
وعلى هذا فالحركة النسوية في الشرق الإسلامي هي : حركة ظهرت في القرن العشرين الميلادي في مصر ثم امتدت إلى بقية البلاد الإسلامية، تهدف الحركة إلى حرية المرأة ومساواتها المطلقة بالرجل ، وهي امتداد للحركة النسوية التي قامت في الغرب.
أهداف الحركة النسوية في الشرق الإسلامي :
يظن البعض أن هدف الحركة النسوية في الشرق الإسلامي الدعوة إلى السفور وإسقاط الحجاب وهذا ظن قاصر .
وفي رأيي أن الحركة النسوية في الشرق الإسلامي تهدف إلى أمرين ، هما :
1- تقرير المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة .
2- تقرير حرية المرأة .
ولكي تصل الحركة إلى ذلك اتخذت جملة من الوسائل ، دعوة وتنفيذا ، وهي :
1- محاربة الحجاب وتشجيع السفور .
2- الاختلاط بين الجنسين في أماكن العمل والتعليم .
3- تشجيع عمل المرأة في كل مجال .
4- التقليل من واجبات المرأة ووظائفها النمطية –كما يسمونها-كالزواج والإنجاب والأمومة .
آثار الحركة النسوية في الشرق الإسلامي :
من تأمل أحوال العالم الإسلامي الذي ظهرت فيها الحركة النسوية وجد أن لها آثارا على الفرد والأسرة والمجتمع ، من ذلك :
1- معارضة الإسلام جملة وتفصيلا برفض الأحكام والآداب الإسلامية ، وبذلك مهدت للعلمانية وإقصاء الدين عن الحياة .
2- نسف البناء الاجتماعي بتقويض الأسرة ، بسبب ارتفاع معدلات الطلاق والعنوسة وجنوح الأحداث.
3- انتشار مظاهر الانحراف الأخلاقي في المجتمع المسلم .
وباختصار فإن الحركة النسوية ثورة على الاخلاق والقيم ، وتدمير شامل للفرد والأسرة والمجتمع .
سبل مواجهة الحركة النسوية :
تتلخص سبل المواجهة للحركة النسوية في أمرين ، هما :
الأول : بث الوعي ببيان خطورة الحركة النسوية واستهدافها للإسلام ولأخلاق والقيم ، والفرد والأسرة والمجتمع، وأنها عدو لها .
الثاني : إيجاد روح الممانعة في نفوس المجتمع للحركة النسوية وبرامجها ، وهي قائمة على الأمر الأول .