بسم الله الرحمن الرحيم
الجَهْلُ والحُمْق
قسّم الله بين عباده المدارك والعقول ، وجعلهم على تفاوت بيّن ، وتنوّع واضح ، فمنهم من سُلِب العقل بالكليّة ، ومنهم من آتاه الله الحكمة ، ومنهم بين ذلك .
والإنسان محتاج إلى أن يعرف اختلاف مدارك الناس وتباين عقولهم حتى يُحسن التعامل مهم ، ويجتنب إساءتهم .
من الشخصيات التي ينبغي معرفة سماتها وخصائصها وكيفية التعامل معها شخصية : الأحمق .
والأحمق هو ناقص العقل، ضعيف الإدراك، فاسد الرأي ، ويُطلق عليه السفيه والجاهل .
وذكر الرب تبارك وتعالى الأحمق في القرآن الكريم، ونسبه إلى الجهل، وسمّاه جاهلا، ودعا إلى الإعراض عنه وتركه، فقال سبحانه :”وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً”.
وقال تعالى :”لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ”.
وقال سبحانه :”وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ”.
ويكفي في ذم الحمق وصاحبه ، أن الله تعالى نعت به الكفار ، ووصف به المنافقين، وذم به المعرضين عن دينه .
قال سبحانه عن المنافقين :”أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَآءُ وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ“.
وقال تعالى عن المشركين:” قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ”.
وقال في حق المعرضين عن دينه :” وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ“.
وإن شابَ الحمقِ لؤمٌ ودناءة، وحسد وخساسة، كان سُمًا ناقعا ، وداءً قاتلا ، وبلاءً ماحقا ، لأنه لا يتورع عن الكذب والبهتان، ولا يحجزه شيء عن البغي والعدوان .
وإذا صحب الحمق تَنِسُّك كان أشدّ بلاء، لأن حُمْقَه يَغْلب تَنَسُكه ، ويُلبِس حماقاته لَبُوس الدين .
وقبل أن نعرف كيفية التعامل مع الأحمق ، كان لا بد أن نعرف صفاته التي تميزه ، حتى نتصوّر حقيقته .
الذي يقرأ كتب الأخلاق والأدب، ويرى سير أهل الحُمْق يَخْلُص إلى أن الأحمق فيه جهل وخفّة، وطَيْش وعجلة ، وحسد وظلم ، وخيانة ولؤم ، ودناءة وسوء نية ، وغدر وخبث طوية ، وفحش وبذاءة لسان ، وبغي وعدوان.
الأحمق : لا ينفع معه إكرام، لأنه من جملة اللئام ، إن صدقت معه كَذَبَك ، وإن وفّيت له بَخَسَك ، وإن أكرمته أهانك ، وإن قرّبته آذاك ، وإن صحبته عنّاك .
الأحمق : يتشبّع بما لم يُعطَ ، ويدعي ما لم يُؤتَ ، ويرى أنه أحسن الناس، وأفضل الأجناس ، يبحث عن الزلات ، ويتتبع العثرات .
الأحمق: يَضُر نفسه ،كمن يربط حبلا في عنقه، ويجر به ما يخنقه ويُهلكه ، ويُرديه ويُسقطه .
لذا ابتعد عن الأحمق ولا تعوّل عليه، ولا تثق فيه ولا تركن إليه ، ولا تصدّق حديثه، ولا تأخذ بدعواه ، ولا يغرنّك تنسكه ، ولا يخدعنك ملمسه .
والتعامل مع الأحمق يكون بتركه والإعراض كما هي وصية القرآن ، ويتضمن ذلك ألا تمنحه قدرا، لأنه يزداد شَرّا، ويتعاظم بَطَرا ، وينتفخ كِبْرا.
وهل هذا الكلام في حق الأحمق مجازفة ، أو هو نوع من المبالغة؟
إن أصل ذلك أن تعلم أن الله وهب العقول للناس ، ومنح الأحلام للخلق ، لتكون حاجزا عن القبائح ، ومانعا من السوء والفضائح ، والأحمق حُرم ذلك، نعوذ بالله من ذلك .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .