المقالات

الشخصية المؤثرة السمات وعوامل البناء

محاضرة أٌلقيت في برنامج إعداد الداعيات في المكتب التعاوني بتبوك

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

ففي هذه المحاضرة نتناول موضوعًا مهمًا وهو الشخصية المؤثرة، السمات وعوامل البناء  .

الشخصية المؤثرة هي شخصية المؤمن، وكما قيل: «المؤمن كالغيث أينما وقع نفع»، وأبلغ من هذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم-: «مثل ما بعثني الله عز وجلبه من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به علم وعلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن كالأرض الطيبة التي أصابها الغيث فأمسكت الماء وأنبتت الكلأ وانتفع بها الناس .

فالمؤمن ينفع غيره ويؤثر فيه وهذا هو شأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن أكثر الناس نفعًا للناس هم الأنبياء عليهم السلام، ويليهم العلماء، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله في خطبة كتابه المشهور “الرد على الجهمية” لما تكلم عن العلماء : “فما أحسن أثرهم على الناس” فالشخصية المؤثرة هي شخصية المؤمن والمؤمنة الذي حصل  لهما الانتفاع بالقرآن والسنة، وأكثر الناس نفعًا للناس هم الأنبياءُ والرسل عليهم الصلاة والسلام ويليهم في ذلك العلماء. وقد قيل في معنى قول يحيي –عليه السلام- في سورة مريم:﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ﴾[مريم:31]  نَفَّاعًا للناس .

فعرفنا إذن من هي الشخصية المؤثرة وكيف تؤثر وما طبيعة هذا التأثير؟ المؤمنة مباركة في أي مكان تكون فيه، فهي تؤثر في أسرتها، تؤثر في قراباتها، تؤثر في جاراتها، تؤثر في مجتمعها، تؤثر في مدرستها، تؤثر في وظيفتها، تؤثر في كل مكان تكون فيه، وما طبيعة هذا التأثير؟ إيصال النفع للناس، وهذا النفع إما أن يكون نفعًا دينيًا أو دنيويًا، أو أخرويًا.

فالمؤمنة تصنع المعروف وتُفرج الكربة وتنصح لمن هو محتاجٌ للنصيحة وتدعو إلى الله وتأمر بالمعروف تنهى عن المنكر، وتُحسن إلى الناس بأنواع الإحسان، فالمقصود بطبيعة التأثير: كل نفعٍ يكون فيه خير في الدين أو الدنيا أو الآخرة، فإن المؤمنة تقوم به وتسعى إليه وتجد في تحصيله.

الشخصية المؤثرة هي الشخصية التي توقف وقتها وجهدها وحياتها، بل يكون هدفها هو التأثير في الناس، فتكون حياتها كلها وقفًا على التأثير والنفع والإحسان إلى الناس بأنواع الإحسان، وهذا هو شأن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام نصحوا للناس وصدقوا معهم وكانت حياتهم في سبيل ذلك ، فالمؤمنة توقف حياتها وجهدها ووقتها للتأثير والنفع، ولا تظن المستمعة أن معنى ذلك أنها تُعطل مصالحها أو أنها تُقصِر في واجباتها، بل إن أداء المصالح والقيام بالحقوق هو جزءٌ من التأثير والنفع.

 عندنا بعد ذلك نماذج من الشخصيات المؤثرة، وأعظم الشخصيات تأثيرُا هم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأعظمهم وإمامهم هو النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا بعض الكتاب الغربيين لما كتبوا في الشخصيات المؤثرة في التاريخ ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم وإن كنا لسنا بحاجة إلى شهادتهم، لكن المقصود أن النبي عليه الصلاة والسلام أثر في البشرية لما دعاهم إلى هذا الدين وكان سببًا في هدايتهم ونقلهم من الشرك إلى التوحيد ومن الضلال إلى الهدى ومن الغواية إلى الرشد ومن الاعوجاج إلى سلوك الطريق المستقيم.

 وهكذا من جاء بعده من صحابته رضي الله عنهم فإن الصحابة رضي الله عنهم كان لهم تأثيرٌ كبير في حياتهم وبعد مماتهم، لما كان لهم من سابقة الإسلام والهجرة والنُصرة، فكان لهم تأثيرهم في مجتمعهم وفي حياتهم لما فتحوا المعمورة ونشروا الدين، وفتحوا القلوب والعقول واستضاءت النفوس بدعوتهم وجهدهم وجهادهم، فكان من الشخصيات المؤثرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن تأثيرهم منحصرًا في جانب دون جانب، بل كان كل واحد منهم قد أصاب سهمًا في باب من أبواب الدين، فمنهم من أصاب سهمًا في باب الجهاد، ومنهم من أصاب سهمًا في باب العلم وهكذا في جوانب كثيرة.

وخلفهم التابعون لهم بإحسان وكان لهم أثرهم وتأثيرهم العظيم في الأمة، ولا أدلَّ من تأثرهم أن أسماءهم لا تزال محفوظة وأن سيرهم لا تزال شاهدة على أثرهم وتأثيرهم في الأمة والتاريخ، وهكذا العلماء من بعدهم كان لهم أثر وتأثير، فالإمام البخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وكثير من أئمة الإسلام وهداة الأنام كان لهم أثر وتأثير عميق وبالغ في هذه الأمة، ولا يزال هؤلاء وإن غابت شخوصهم لكن أقوالهم وأفعالهم وتراثهم يشهد بأثرهم وتأثيرهم.

حتى وصلنا إلى زمننا هذا، وكما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “لا تخل الأرض من قائمٍ لله بحجته”، وجاء في الحديث: (يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله ينفون عنه تحريف الغاليين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).

 ولا تزال الأمة ولاّدة في كل عصرٍ ومصرٍ يوجد علماء وشخصيات ورموز يكون لها أثرها وتأثيرها في هذه الأمة، فلو أردنا أن نتحدث مثلًا عن جمال الدين القاسمي، وعبد الرحمن السعدي، وإبراهيم بن ضويان، وحافظ الحكمي، وعبد الله القرعاوي، ومحمد بن إبراهيم، واحمد شاكر، والبشير الإبراهيمي، ومحمد الخضر حسين، ومحمود شاكر، وأبو الحسن الندوي، وعبد الله بن حميد، وعبد العزيز بن باز، ومحمد بن عثيمين، ومحمد ناصر الدين الألباني، وعلماء وشخصيات كثيرة.

وهناك شخصيات تخصصت في جانب الدعوة إلى الله مثل أحمد ديدات ، وذاكر نايك ، وعبد الرحمن السميط وغيرهم .

 المقصود أن الشخصيات المؤثرة في التاريخ الإسلامي كثيرة ولهذا إذا أرادت المؤمنة أن تنبعث همتها في أن يكون لها شأن وأثر وتأثير؛ فلتقرأ في سير هؤلاء المؤثرين في القديم وفي الحديث؛ لتقرأ في سير الصحابة والتابعين والأئمة، وستجد في سيرهم ما يُجدد النشاط ويبعث الهمة ويُقوي الإرادة ويأخذ بالإنسان إلى مراقي الكمال ودرجات التأثير.

سمات الشخصيات المؤثرة :

هذه الشخصيات المؤثرة لم يكن لها التأثير إلا لما تميزت بسمات وصفات وأخذت بأمور جعلت لها التأثير في مجتمعها، وأول هذه الأمور: الصدق والإخلاص، الصدق مع الله: ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾[محمد:21] .

أول خطوات تحديد المسار وضبط السير أن يتضح لي ولك وللآخرين ماذا نريد؟ هل نُريد الله –عز وجل- والدار الآخرة أم نُريد غيره؟

تأملوا معي قول الله –عز وجل-:﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ(15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود:15-16]، وفي قوله سبحانه: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإسراء:18-19]، وفي قوله: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى:20]، هذه الآيات الثلاث ونظائرها من القرآن تتكلم عن الإرادة، لا تتكلم عن العمل؛ لأن العمل مبني على الإرادة، فمن أراد الله والدار الأخرى سعى إليه، ومن أراد غيره سعى إليه، ولهذا جاء في الحديث المتفق عليه: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»، فنحن ماذا نريد؟ هل نريد الله والدار الآخرة؟ أو نريد غير الله تعالى والدار الآخرة؟ فإذا حدد الإنسان إرادته فإنه حينئذٍ يختبر هذه الإرادة ويمتحنها وينظر : هل عمله دليلٌ على إرادته أم لا؟ والإنسان دائمًا يخشى أن يكون عمله ليس دليلًا على ما يزعم من الإرادة.

 اسمع إلى أنبياء الله ورسله لما يقولون ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾[هود:88]، الإرادة هي النية هي المقصد، هي الرغبة، هذه هي أساس الأعمال التي يتفاضل فيها الناس، وهي منطلق التأثير، فمن كان يُريد الله –عز وجل- والدار الآخرة فإن الله –عز وجل-يكتب له القبول، ولهذا جاء في البخاري: «إن الله إذا أحب عبدًا نادى جبريل إني أُحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم يُنادي جبريل في أهل السماء إن الله يُحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض»، وجاء عن ابن عباس –رضي الله عنه- أنه قال: “إن للحسنة آثارًا وذكر منها محبةً في قلوب الخلق”.

ولهذا إذا أردنا أن نُؤثر في الناس وأن يكون لنا أثرنا وتأثيرنا حتى ولو لم يكن عندنا وسائل التأثير المادية ولا أسباب التأثير الملموسة المحسوسة أن نخلص لله ونصدق معه، فإن الله عز وجل يُبارك في أعمالنا وأقوالنا، ويكتب لها القبول في الأرض وبين العالمين، وحتى أقرب لك صورة هذا الكلام انظري إلى سيرة ابن باز رحمه الله رجل كفيف لا يملك من البلاغة والفصاحة والبيان ما يملكه غيره، وفي زمنه الذي عاشه لم يكن يتوفر من وسائل الاتصال والتواصل والإعلام والإعلان والدعاية ، ومع ذلك كتب الله عزوجل له القبول والتأثير.

 المقصود أن نعرف أن المرتكز ولأساس والقاعدة في التأثير في الناس هو الصدق والإخلاص، والصدق والإخلاص معناه ومبناه على إرادة الله عز وجل والدار الآخرة ولا بد أن نكون صادقين مع أنفسنا حتى نعرف هل نحن فعلًا نريد الله عز وجل والدار الآخرة؛ لأن الدعاوى كثيرة، كل الناس يزعمون أنهم يريدون الله والدار الآخرة، لكن يتكشف الزيف وتسقط الأقنعة وتظهر الوجوه على حقيقتها إن لم يكن في  الدنيا فإنه في الآخرة، ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِر(9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ﴾[الطارق:9-10].

وعلى هذا فيجب أن نُعالج النيات ونختبر المقاصد وننظر في الإرادات حتى نرى هل هي متوجهة إلى الله عز وجلأم لا؟ ثم إذا حازت المؤمنة هذا المقام العظيم والمرتبة المُنيفة وهو الصدق والإخلاص فإنها تحرص على أن تشتغل بهدفها ولا تشتغل بما عداه، الناجحون في حياتهم أيًا كانت هذه الحياة، حياة علمية أو عملية لا ينجحون إلا إذا اشتغلوا بأهدافهم، ولم يلتفتوا إلى غيرها .فإن الاشتغال بغير الهدف الذي تريده المؤمنة يُضعف الهمم ويشل العزائم ويشوه الثمرة المرجوة من هذا العمل، ولهذا المؤمنة إذا حددت هدفها في تعليمها أو دعوتها للناس أو في أي وجه من وجوه النفع فإنها تشتغل بهذا الهدف ولا تنظر إلى غيره، ويدخل تحت هذا أنها تترفع عن الخصومات وتترفع عن كل ما يمكن أن يُؤثر على هدفها ومسيرتها وتحقيقها لما تُريد. فهي تحرص ألا تكسب خصومًا؛ لأن الدعوة والتأثير هي فن كسب الناس، لكن من الناس –نعوذ بالله من الحرمان- من عنده فن كسب الخصوم، يُبدع ويتفنن في كسب الخصوم، سواءً كانوا هؤلاء الخصوم في الأسرة او القرابة أو في أي شريحة من الشرائح التي يرتبط بها الإنسان .

وتأمل مثلًا ما جاء من مشروعية مداراة الناس، والمداراة هي التلطف مع الناس اتقاءً لشرهم، هذا أمر مشروع وبوب البخاري: باب ما جاء في مداراة الناس، وذكر حديث عائشة رضي الله عنها أن رجلًا دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسن إليه، فلما خرج قال عليه الصلاة والسلام: «بئس أخو العشيرة، فقالت عائشة يا سول الله، أحسنت له الكلام ثم لما خرج قلت ما قلت، فقال: يا عائشة: إن من شر الناس منزلة من تركه الناس اتقاء شره».

إذن فالمدارة نحتاجها، المؤثرون والذين يسعون إلى التأثير يحتاجون إلى المداراة والتلطف حتى لا ينشغلوا أو يُشغلوا بخصومات أو خصوم، وهذا يقودنا أيضًا إلى باب من أبواب الأخلاق وحسن التعامل وطلب الراحة وهو: التغافل والتجاهل

                  ليس الغبي بسيد في قومه                                       لكن سيد قومه المُتغابي

فالمؤمنة عندما تنشغل بهدفها ليس لديها وقت أو جهد لتُضيعه مع من تستفزها أو تستثيرها أو تحقد عليها أو تجهل عليها، وهذا جاء في القرآن كثيرًا: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:199]، وفي الآية الأخرى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ [الفرقان:63]، وفي الآية الأخرى: ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ القصص:55.

فهذه الآيات تدعو إلى الإعراض عن الجاهل ومعناه التغافل والتجاهل لمن تحقد أو تجهل من الذين يُحاربون الناجح أو الذي عنده نوع من النجاح  .

الشخصية المؤثرة هي شخصية واقعية، واقعية يعني أنها تعيش في الواقع، اعتزال الناس من أسهل الأمور أن الإنسان يعيش بعيدا عن الناس، يعيش بعيدا عن قراباته وأسرته ومجتمعه هذا سهل لا يُكلف شيئا.

لكن طريق التأثير في الناس هو مخالطتهم، وهنا نحن نقول: مخالطتهم ليس بفضول المخالطة، وإنما يقصد بمخالطتهم يعني الإحسان إليهم ونفعهم، ولهذا جاء عند أبي داوود وغيره الذي يُخالط الناس ويصبر على آذاهم، خير من الذي لا يُخالط الناس ولا يصبر على آذاهم، والأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كانوا يُخالطون الناس لدعوتهم .

فالمقصود أن المؤثر هو الشخص الذي يرتبط بالناس وواقعهم، فيغشاهم ويُخالطهم على سبيل النصح والنفع والإفادة، المؤثر عنده هدف يسعى إليه وهو النفع والإفادة والتأثير، ولهذا هو لا يُنافس الناس فيما يتنافسون عليه، الناس إذا تنافسوا على الظهور والبروز وتسجيل المواقف، الناس إذا تنافسوا على المناصب والمراتب، الناس إذا تنافسوا على المال والتجارات، الناس إذا تنافسوا على أي عرضٍ من أعراض الدنيا فإن صاحب الشخصية المؤثرة لا يلتفت إلى ذلك كله؛ لأن له هدف.

فالإنسان ما دام أنه اختار هدفه وأن يكون مؤثرًا، فينبغي أن يشتغل بهدفه ولا يُنافس الآخرين فيما يتنافسون فيه من الدنيا، وهذا من أسباب التأثير في الناس، ولهذا جاء في الحديث: «ازهد في الدنيا يُحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يُحبك الناس»، فمن سمات الشخصية المؤثرة إذن أنها لا تُنافس الناس فيما يتنافسون فيه من شأن الدنيا.

من سمات الشخصية المؤثرة الرحمة والشفقة وحب الخير للناس ولذا لا يُتصور في الشخصية المؤثرة إلا أن تكون سليمة الصدر، ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء:88-89] لا يُمكن أن يكون لنا أثرنا وتأثيرنا إلا إذا سلمت صدورنا من الغل والحقد والغش والحسد، وكان مكان ذلك محبة الناس والإشفاق عليهم وحب الخير لهم، ولهذا لا يكون إيمان المسلم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه، والنبي عليه الصلاة والسلامكانت رسالته رحمة وكان هو رحمة «أنا نبي الرحمة»، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[الأنبياء:107] وكان رحيمًا بالناس.

الشخصية المؤثرة هي الشخصية التي تهتم بالآخرين والاهتمام هنا ليس المقصود تتبع أحوال الناس والدخول في شأنهم الخاص، فإن هذا مما لا تقبله النفوس عادةً، لكن المقصود بالاهتمام بالآخرين، إذا بلغه عن أحد من الناس مشكلة أو مصيبة أو ضائقة سعى في تسليته وتعزيته والتفريج عنه ومساعدته، هذا معنى الاهتمام بالآخرين.

الشخصية المؤثرة هي التي لا تنقل الكلام ولا يُنقل عنها كلام في الآخرين، وهذا مبني على أن الشخصية المؤثرة ليس لديها من الوقت أن تتكلم في أحد أو تنقل كلام أحد إلى أحد، وفي الغالب أن الذين يقعون في مثل هذا المسلك السيئ أنهم مشغولون بما يترتب على ذلك من التبعات والخصومات وإغارة الصدور والقطيعة والتدابر، ولهذا لو استطاع الواحد منا أن يُعوِّد نفسه ويُوطن نفسه على أن لا يقول في أحدٍ كلامًا ولا ينقل كلام أحد إلى أحد فهو على خيرٍ عظيم؛ لأنه لا يمكن أن يؤثر في الناس أو يكون له أثر فيهم وهو قد دخل معهم في خصومات ومحن وتباغض وتدابر .

من سمات الشخصية المؤثرة التأني والحكمة وتقدير المواقف، فليست شخصية فيها نوع من العجلة أو السفه أو الطيش، كلما كانت الشخصية متأنية وعندها شيء من الحكمة،  أثّرت في الناس بشكل أكبر وأعمق لأن الناس ينجذبون إليها ويأنسون برأيها ويستلهمون تجربتها.

 الشخصية المؤثرة هي شخصية تدرس قرارتها ومواقفها وهي مبنية على التأني والحكمة وترك العجلة والطيش والخفة والسفه، فالشخصية المؤثرة تنظر في عواقب القرار او الموقف الذي ستتخذه، وهي أيضًا تميل دائمًا في قرارتها إلى التيسير، إلى التبشير، إلى الرحمة والإشفاق، ما لم يكن في ذلك مخالفة شرعية، فإن كان مخالفة شرعية فلا محل للتيسير أو الإشفاق أو الرحمة.

الشخصية المؤثرة هي التي تهتم بحدود عملها، لا تتجاوزه ولا تتعداه، ما معنى هذا الكلام؟ نحن عندنا أشياء تُسمى أو تدخل تحت دائرة الشأن العام، الشأن العام له أهله، ليس للآحاد والأفراد، ولهذا دائمًا الشخص الناجح هو الذي يُركز في عمله ولا ينشغل بغيره.

في رأيي أنا أن الشخصية عندما تملك هذه الصفات وتستطيع أنها تحوزها، فسيكون لها تأثيرها بقدر ما تملكه من هذه السمات والخصائص والصفات، ولعلي من خلال هذا العرض أكون قربت أو حاولت أن أُقرب هذا الموضوع إلى الأفهام حتى نسعى جميعًا إلى أن يكون لنا أثرنا وتأثيرنا في مجتمعنا.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

Print Friendly, PDF & Email

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى