المستقبل للإسلام
في ظل ضعف المسلمين ، وتسلط أعدائهم عليهم ، وضعف ارتباطهم بدينهم ، وظهور الانحرافات في حياتهم ، وغلبة الشر وأهله ،يتسلل إلى قلوب المؤمنين اليأس والقنوط باستبطاء النصر والفتح والفرج . ولذا كان حتما على أهل العلم وطلابه ودعاته تذكير الناس بوعد الله للمؤمنين بالنصر ، ودعوتهم للتفاؤل والاستبشار ، وتحذيرهم من اليأس والقنوط ، تثبيتا للمؤمنين وتسلية للموحدين .
أخبر الله بخبره الصادق :(ومن أصدق من الله قيلا). بنصرة دينه وظهور شريعته على الدين كله في ثلاث مواضع من القرآن ، في سورة التوبة :(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون). وفي سورة الفتح :(هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا). وفي سورة الصف:(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون). ففي هذه الآيات الكريمات يخبر الله بخبره الصادق عن وعده بإظهار دينه على الدين كله ، ووعد الله لا يتخلف .
وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامتداد شريعته وظهور دينه في الأرض ،فعن تميم الداري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(ليبلغن هذا الامر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل به الكفر)أخرجه أحمد بسند صحيح .وأسند النبي صلى الله عليه وسلم إدخال الدين إلى الرب جلّ جلاله “إلا أدخله الله هذا الدين” لأنه سبحانه هو الذي يتولى ذلك ويضمنه .
وهذا الدين محفوظ بحفظ الله له :(انا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). فلا يقدر أحد مهما بلغ في قوته أو كيده أن يغيره أو يبدله ، فهو سبحانه يقيض له علماء ربانيون ينشرونه ويدفعون عنه ، قال صلى الله عليه وسلم :(يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).صححه الإمام أحمد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إن الأرض لن تخلو من قائم لله بحجة ، لكيلا تبطل حجج الله وبيناته.
وأخبر سبحانه في غير ما آية من كتابه بعلو الدين ونصرة المؤمنين (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد).(كتب الله لأغلبن أنا ورسلي).(ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون).
وهذه هي الفرقة الظاهرة والطائفة المنصورة إلى قيام الساعة ، فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله).
في بداية الإسلام اشتد البلاء على المسلمين ، وتسلط الكفار عليهم ، فقتلوا منهم وعذبوا ، وخرج بعضهم مهاجرا ، والنبي صلى الله عليه وسلم أوذوا في الله أذى كثيرا ، فحاولوا قتله ووضعوا سلا الجزور على ظهره ، ووصفوه بأنه ساحر ومجنون وكاهن وكذاب ، وبعد ثلاث عشرة سنة من التسلط والإيذاء أذن الله بظهور دينه وعلو دولة الإسلام ، ولم ينتقل النبي صلى الله عليه وسلم للرفيق الأعلى إلا وعمّ الإسلام الجزيرة العربية .
وفي إقبال الكفار على الإسلام في زماننا والدخول فيه أفواجا ، على الرغم من واقع المسلمين المنفّر وصورتهم المشوّهة ، وكيد أعداء الإسلام وصدّهم عن سبيل الله ودينه حافز للتفاؤل والاستبشار وطارد لليأس والقنوط .
إن تسلل اليأس والقنوط إلى قلوب المؤمنين إذا رأوا تسلط الأعداء وغلبة الشر وكثرة الأهواء وضعف الحق وأهله ، محرم بل هو من كبائر الذنوب قال تعالى :(قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا القوم الضالون).وقال تعالى :(ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
واليأس والقنوط من صور إساءة الظن بالله وهو من خصال المشركين وأهل الجاهلية ، قال تعالى :(الذين يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية).
والمؤمن يحسن الظن بربه فيؤمن بأن الله تعالى ناصر دينه ومظهر شريعته ، وذلك من آثار الإيمان بربوبية الله تعالى وأسمائه وصفاته .
وما يجري على أهل الإسلام من تسلط أعدائهم عليهم ، وغلبة الشر في ديارهم ، وظهور أهله ، ابتلاء وامتحان (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون). وتمحيص وتمييز (فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).(ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض).
ومن حكمة الله تعالى وسنته التي أجراها في خلقه أن وعد الله بنصره للمؤمنين قد يتأخر لكنه لا يتخلف :(أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب).
والمؤمن في زمن غلبة الباطل وظهور أهله لا يقعده اليأس ولا يثنيه القنوط عن العمل للدين ، بل كلما اشتد الباطل وغلا الفساد وزاد تسلط الشر وأهله أيقن بوعد الله فنشط في مدافعة ذلك قدر استطاعته وعلم أن نصر الله آت وفرجه قريب ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد