دعوات التهوين من التحاكم إلى الشريعة الإسلامية
جاء النبي صلى الله عليه وسلم بأحسن الشرائع وأكملها وأفضلها وأتمها .
قال تعالى{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة:3]
وحكم الله تعالى أحسن الاحكام:{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[المائدة:50]أي لا أحسن من الله حكما.
ومن أصول الدين المتفق عليه بين المسلمين : وجوب تحكيم الشريعة والتحاكم اليها ، قال تعالى : {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ }[النساء:65]
وأمر سبحانه بالرد إليه عند الاختلاف ، فقال :{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[الشورى:10]
وقال سبحانه :{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[النساء:59]
وهو سبحانه الحَكَم ، عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إنّ الله هو الحَكَم).
وإليه سبحانه الحُكم ، قال تعالى :{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}[الأنعام:57]
وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالحكم بين الناس بما أنزل إليه فقال {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ }[المائدة:49]والتحاكم إلى شريعة الله من لوازم الإيمان ومقتضياته ، قال تعالى :{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[النور:51]
ولا يتحقق الإيمان إلا بالتحاكم إلى شريعة الله تعالى .
قال سبحانه {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65]
والإعراض عن حكم الله من صفات المنافقين .
قال سبحانه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا}[النساء:60]
وسمى الله تعالى الحكم بغير ما أنزل الله حكم الجاهلية ، فقال {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ }[المائدة:50]
وحَكَم سبحانه على من يحكم بغير ما أنزل الله تعالى بالكفر والظلم والفسق .قال تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44]
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[المائدة:45]
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[المائدة:47]
والتحاكم إلى شريعة الله تعالى والرجوع إليها له تعلق بتوحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته .
أما تعلقه بالربوبية ففي وجوب اعتقاد أن الحكم لله تعالى وحق خالص له سبحانه لا يجوز لأحد أن يشاركه فيه ، قال تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}[الشورى:21]. والمراد بالشرك في الآية : الشرك في الربوبية ، ولهذا فاعتقاد شريك لله في الحكم نزاع لله في ربوبيته .
أما تعلقه بالألوهية ففي وجوب التحاكم إلى شريعة الله والرجوع إليها ولا يجوز لأحد أن يتحاكم إلى غير شريعته سبحانه ، قال تعالى :{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}[الأنعام:121]والمراد بالشرك في الآية : الشرك في الألوهية ، ولهذا فالتحاكم إلى غير شريعة الله نزاع لله في ألوهيته .
أما تعلقه بالأسماء والصفات فمن أسماء الله تعالى الحَكَم أي إليه الحُكم ، والحكيم أي حكيم في قضائه وأقواله وأفعاله ، والتحاكم إلى شريعة الله تعالى من آثار الإيمان بهذه الأسماء والصفات الدالة عليها .
وهذا الأصل العظيم لا نزاع في تقريره بين أهل السنة والجماعة ، ولم يقل أحد منهم بجواز ترك التحاكم إلى الشريعة أو تسويغ ذلك .
وعلى الرغم من أهمية هذا الأصل ووضوحه إلا أن بعض الشخصيات الإسلامية في العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة صرّحت مرارا بما ينقض هذا الأصل ويعارضه .
فصرّح أحدهم بأن رأي الأغلبية مقدم على الشريعة ، وأن الشريعة ليست قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان ، وأنه لا يدعو إلى تطبيق الشريعة ، بل كان أكثر صراحة لما قال : لن نطبق الشريعة .
وصرّح آخرون بمثل هذه التصريحات ترجع إلى أنهم لا يدعون إلى تطبيق الشريعة ، ولن يطبقوها في حال تمكنهم من ذلك ، وأنها غير مناسبة للتطبيق في هذا الزمان .
وتظهر خطورة هذه المقالات من خلال أنها معارضة لما تقتضيه شهادة أن لا إله إلا الله من الكفر بالطاغوت ، لأنها متضمنة للرضا بالقوانين الوضعية أو جواز التحاكم إليها أو أنها مساوية لحكم الله أو أفضل منه .
وهذه المقالات معارضة للأصل المتقرر من وجوب التحاكم إلى الشريعة والرجوع إليها مما هو محل إجماع المسلمين .
وهي أيضا تهدم الأصل الفارق بين الإسلام الذي يوجب تحكيم شريعته والرجوع إليها وبين العلمانية التي ترفض الدين وتستبعده من الحياة .
وهذه المقالات تصدر من شخصيات لها اتباع يتأثرون بقولها ، ولذا يتوجب على التنبيه على ذلك وبيان مخالفته .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .