المقالات

تغيير المفاهيم

حقيقته ، وأسبابه

 

درج الباحثون في الثقافة الإسلامية على التعبير بتغيير المفاهيم عند الكلام على أثر الأفكار المنحرفة أو المذاهب الفكرية الوافدة ، وهذا المصطلح سواء أكان دقيقا أم لم يكن إلا أن ما يوافقه في القرآن والسنة تبديل الدين أو تحريفه أو لبس الحق بالباطل ، وأشار إلى هذا المعنى القرآن الكريم والسنة المطهرة .

أما القرآن ففي قوله تعالى :{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:42]. تلبسوا أي تخلطوا .

وفي قوله تعالى :{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}[النساء:46]

أما من السنة ففي حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله :(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) قلت يا رسول الله أما إنهم لم يكونوا يصلون لهم قال صدقت ، ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه ويحرمون ما أحل الله لهم فيحلونه).أخرجه الترمذي .

وروى أبو داود وابن ماجه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها).وفي رواية :(ليستحلن). أي أنهم يرونها حلالا حتى يسمونها بغير اسمها الشرعي المعلوم .

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول:(ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف).أخرجه البخاري .

وعن عون بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(يكون في آخر الزمان قوم يحلون الحرام ، ويحرمون الحلال ، ويقيسون الأمور برأيهم).

وعن حذيفة رضي الله عنه قال :(إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا ، فلينظر ، فإن كان رأى حلالا كان يراه حلالا فقد أصابته الفتنة ، وإن كان يرى حراما كان يراه حلالا فقد أصابته).رواه الحاكم .

 فمن هذه النصوص من الكتاب والسنة يتبين ما يلي :

1-وقوع التبديل والتغيير للدين وتحريف الكلم عن مواضعه بأن يكون الحلال حراما والحرام حلالا.

2-أن تبديل الدين وتغيير وقع في الأمم السابقة ووقع في هذه الأمة بخبر النبي صلى الله عليه وسلم .

3-أن التبديل والتغيير في الشريعة والدين يكون من الناس بدعوةٍ وتحسينٍ من شيوخ الضلال ودعاة الباطل  .

وهذا التغيير والتبديل لا ينافي ما كتبه الله من حفظ دينه وبقاء طائفة من عباده على الحق لا يضرهم من خالفهم .

ويحصل التبديل والتغيير لأسباب ، منها :

1-غياب العلماء : عن عبدالله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب الرجال ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسُألوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).أخرجه البخاري ومسلم .

إذا غاب العلماء الربانيون ظهر المتعالمون الذين يعملون على تغيير الدين وتبديله بتحليل الحرام وتحريم الحلال .

2-ظهور الجهل بالشريعة :

يتغير الدين ويتبدل بقبض العلم وظهور الجهل بالشريعة خاصة في آخر الزمن ، خرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم).وفي رواية :(ينقص العلم) وفي رواية:(يرفع العلم).وفي رواية :(يظهر الجهل). وفي رواية :(يثبت الجهل).

3-ضعف البلاغ والبيان : أوكل الله  تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم البلاغ  :{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ }[المائدة:67]. وقال سبحانه :{ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ }[الرعد:40].وهذا مقصود الرسالة .

ويحمل البلاغ بعد رسل الله عليهم الصلاة والسلام العلماء ، فالعلماء ورثة الأنبياء ، وإذا حصل تقصير في هذا الجانب نُسي من علم الشريعة بقدر ذلك .

ومن الخطأ البيّن التهوين من شأن البلاغ والبيان ، فإنه من أعظم أسباب حفظ الدين ، والتفريط فيه من أسباب تغيير الدين وتبديله.

 

4-غلبة المنكر وظهوره :إذا ظهر المنكر وجاهر به أهله من غير نكير ، اعتاده الناس وألفوه ، وهذا ما كان من بني إسرائيل حتى لعنهم الله تعالى ، قال صلى الله عليه وسلم :(إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان يلقى الرجل فيقول : يا هذا اتق الله ودع ما تصنع ، فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله ، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض..).أخرجه أبو داود والترمذي .

5-رؤوس الضلال : يظهر في الأمة رؤوس في الضلال والفتنة يدعون إلى الباطل ، ويزينون الشر ، ويروجون للشرك والبدعة ، وهؤلاء الذين خافهم النبي صلى الله عليه وسلم على أمته بقوله :(أخوف ما أخاف عليكم الأئمة المضلين). رواه ابن حبان في صحيحه .

وإذا اجتمعت هذه الأمور وقعت الفتنة التي أشار إليها عبدالله بن مسعود رضي الله عنه بقوله :(كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ويتخذها الناس سنة ، فإذا غيرت ، قالوا : غيرت السنة ، قيل متى ذلك يا أبا عبدالرحمن ؟ قال : إذا كثرت قراؤكم وقلّت فقهاؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة وتفقه لغير الدين).أخرجه الدارمي .

ومن تأمل أحوال العالم الإسلامي وجد تبديل أحكام الشريعة وتغييرها أو بعضها ، ففي بعض بلاد المسلمين صار الشرك توحيدا ، والبدعة سنة ، والحرام حلالا ، ومن يُنكر ذلك يُرمى بالتشدد وسيء الأوصاف  .وهذا يوجب على أهل العلم وطلابه بيان الحق وتبليغ الدين والاجتهاد في ذلك حتى تُحفظ أصول الدين من التغيير . والله المستعان .

Print Friendly, PDF & Email

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى