المذاهب الفكرية في الخليج العربي المخاطر ، وسبل المواجهة
بسم الله الرحمن الرحيم
المذاهب الفكرية في الخليج العربي
المخاطر ، وسبل المواجهة
5/5/1435هـ
عبدالعزيز بن أحمد البداح
كانت ولا تزال منطقة الخليج العربي محط أنظار الدول الطامعة في خيراته وثرواته ، لذا سعت للسيطرة المباشرة عليه من خلال الغزو العسكري المسلح ، أو بالوكالة عن طريق التيارات الفكرية التي تخدم المحتل وتنفذ خططه أو تلتقي معه في الأهداف والوسائل .
وأستعرض في هذه المقالة هذا الموضوع من خلال عدد من المعالم التي تعطي تصورا عنه ، هي :
المعلم الأول : أهمية الخليج العربي :
لمنطقة الخليج العربي أهمية بالغة ، فرضها الموقع الجغرافي ، والمخزون النفطي ، والمكانة الدينية .
الموقع الجغرافي :
يمثل الخليج العربي نقطة وصل بين القارات الثلاث : آسيا ، وأفريقيا ، وأوربا ، مع كونه يمثل جسرا لتجارة الشرق القادمة من الهند والشرق الأقصى[1] والذاهبة إلى أوربا ، من خلال اتصاله بأرض الهلال الخصيب [2]مع تعدد الموانئ التجارية فيه .[3]
المخزون النفطي :
يشكل الخليج العربي أهمية للدول الكبرى ، لاعتمادها المباشر على النفط الذي تنتجه هذه المنطقة .
ويحتوي الخليج على أكبر بقعة جغرافية من النفط ، بالإضافة إلى احتوائه على أضخم الاحتياطات النفطية وأكبر حقول الإنتاج في العالم .
ويشكل المخزون النفطي للخليج (60%) من الاحتياط العالمي ، ويبلغ إنتاج دوله (40%) من الإنتاج العالمي للنفط .[4]
المكانة الدينية :
تعتبر الجزيرة العربية مهد الإسلام وقاعدته الأولى ، ومنها انطلقت جيوشه وشع نوره إلى الآفاق .
وهذه الجزيرة لها خصائصها التي تميزها عن غيرها ، وجاءت نصوص من الكتاب والسنة في تقرير ذلك وبيانه .[5]
وتسعى الدول الكبـرى إلى اختـراق الخليج العربـي للنيل من هذه الجزيرة لاعتبارين ، هما :
لتكون تمهيدا للوصول إلى مهد الإسلام وأساسه والقضاء عليه ، ولزعمائهم الدينيين والسياسيين أقوال كثيرة تعبر عن ذلك .[6]
ولتكون مركزا للتنصير ونشر النصرانية وإيقاف المد الإسلامي المتنامي ، وقد نجحت في هذا بإقامة الكنائس في الإمارات وقطر وعمان والبحرين والكويت .[7]
ونظرا لهذه الاعتبارات الثلاثة : الموقع الجغرافي ، المخزون النفطي ، المكانة الدينية تدافعت القوى الاستعمارية في العصر الحديث على الخليج العربي للسيطرة عليه والتحكم فيه ونهب ثرواته .
المعلم الثاني : أساليب ووسائل القوى الاستعمارية للتغلغل في الخليج :
اتخذت القوى الاستعمارية للتغلغل في الخليج العربي وسائل وأساليب ، من أبرزها ما يأتي :
1-الغزو العسكري المسلح .
2-استغلال الأقليات العرقية والمذهبية .
3-تشجيع التيارات المنحرفة وبعث المذاهب الضالة .
4-دعم المعارضة السياسية .
وسيجد المتأمل أن القوى الاستعمارية قد عملت بهذه الأساليب واتخذت هذه الوسائل في العالم الإسلامي بصورة واضحة ، وتتجلى وسيلة : تشجيع التيارات المنحرفة بصورة أكبر في السنوات الأخيرة .
المعلم الثالث : التيارات الفكرية في الخليج العربي :
كان الخليج العربي ولا يزال محلا لنشــوء وظهور كثير من المذاهب والتيارات الفكرية المختلفة ، ساعد على ظهورها جملة من العوامل والأسباب ، وهذه المذاهب تختلف قوة وضعفا وانتشارا وتقلصا حسب كل مرحلة والظروف المحيطة بها .
ويمكن للباحث بالتتبع والاستقراء أن يقسم مراحل ظهور المذاهب والتيارات الفكرية وقوتها في الخليج في التاريخ المعاصر إلى مرحلتين، هما :
المرحلة الأولى :
في مرحلة من تاريخ الخليج العربي (الخمسينات الميلادية وما بعدها) ارتفع صوت القومية العربية ، والناصرية ، والشيوعية ، والبعثية ،[8] وأصبح لكل مذهب من هذه المذاهب رموزه وشخصياته وأحزابه ونواديه ، بل دوله التي تتبنّاه وتقوم عليه كالعراق وسوريا ومصر، فَرَضَ ذلك طبيعة تلك المرحلة ، إلا أن هذه المذاهب خفّ وهجها وتراجعت كثيرا ولم يعد لها حضورها في الساحة الفكرية في الخليج العربي .
والدارس لتلك التيارات والمذاهب والمرحلة التي ظهرت فيها يستنتج النتائج الآتية :
1-أن تلك المذاهب لم تكن مذاهب إسلامية أو لها علاقة بالإسلام ، بل كانت لها مواقف معادية له مناوئة لأهله ، وفي حقيقتها لم تكن سوى صورة باهتة لأفكار أجنبية ، أو صنعها الأجانب وتعاهدوها بالمساندة والرعاية .
2-كانت تلك المذاهب تتبنى الرؤية الثورية التي تستهدف إسقاط الحكومات في الخليج وإقامة أنظمة بديلة تعتمد الفكر الشيوعي أو البعثي أو القومي .
3-تراجعت تلك المذاهب والتيارات ولم يعد لها حضور في الساحة الفكرية في الخليج لثلاثة ، هي :
-سقوط الشعارات التي تتبناها ووضوح زيفها لدى العامة .
-توالي النكبات والهزائم على الأمة العربية في ظل هيمنة تلك المذاهب والتيارات .
-رجوع المسلمين لدينهم على إثر ذلك .
4-يمكن اعتبار تلك المذاهب والتيارات مرحلة تاريخية مرت بالخليج العربي وانقضت ، ولم يعد لها وجود إلا في أشخاص محدودين لا زالوا يعيشون على أطلال الماضي .
وهؤلاء الأشخاص غيب الموت عددا منهم ، وتحول بعضهم إلى غربي التوجه ، والبعض الآخر غلبت عليه نزعة التدين فرجع إلى ربه.
المرحلة الثانية :
برزت على الساحة الفكرية في الخليج العربي في هذه الفترة مجموعة من المذاهب والتيارات ، وهذه التيارات والمذاهب وإن كانت قديمة إلا أن المقصود ظهورها بشكل أوضح وتأثيرها على نحو أعمق وأصبحت تشكل تحديا لأهل السنة ومصدرا لقلقهم في الخليج .
وهذه المذاهب والتيارات لها تجمعاتها وجمعياتها واتصالاتها ورموزها ، ويمكن أن نتحدث عنها بإيجاز ، هي :
التيار الرافضي[9] :
المذهب الرافضي مذهب عقدي قديم مر بمراحل حتى انتهى إلى صورته الحالية ، إلا أنه من المهم الإشارة إلى عقيدة الإمامة التي هي إحدى عقائد الرافضة أخذت حيزا كبيرا بل تحولت إلى المشروع الرئيس للرافضة في الخليج .
ويدخل في الحالة الرافضية في الخليج في المرحلة الحالية قيام الثورة الإيرانية (1399هـ) التي تعمل على إقامة الإمبراطورية الفارسية وإعادة مجدها ودولتها الممتدة على رقعة العالم الإسلامي كله .
وقد وجدت الأقليات الشيعية في الخليج المتناثرة في السعودية والكويت والبحرين والإمارات في إيران سندا ونصيرا ضد حكومات الخليج السنية ، ووجدت إيران في هذه الأقليات الشيعية ورقة تستخدمها ضد الحكومات في الخليج من خلال ما تقوم به من مظاهرات وأعمال شغب وتخريب ، فضلا عن تجنيد بعضهم ضمن خلايا مسلحة تستخدمهم عند الحاجة إليهم .
ويعمل التيار الرافضي في الخليج العربي تحت مظلة (إيران) من خلال خطط واستراتيجيات للوصول إلى إقامة دولة رافضية في الخليج العربي على أنقاض الحكومات السنية .
وبعد تتبع وسبر لأحوال التيار الرافضي في الخليج العربي وجدت أن خطته تقوم على ما يلي :
1-عقد تحالف مع التيار العلماني (المنافقين) في الخليج : في توزيع للمهام ، واتحاد في الوسائل .
2-إسقاط ثوابت المجتمع السني المتمثلة في : المنهج السلفي ، مرجعية العلماء ، القضاء الشرعي .
3-المناورة مع الحكومات السنية في الخليج من خلال : الضغط ، التنازل ، محاولة الكسب .
4-التغلغل في مفاصل دول الخليج : الصحة ، الإعلام ، التعليم ، الأمن ، التجارة .
وفي رأيي : أن التيار الرافضي حقق في السنوات الأخيرة في دول الخليج العربي ما لم يحققه في وقت مضى .
التيار التغريبي :
لقد أراد التيار التغريبي في الخليج صبغ المجتمعات الخليجية بالصبغة الغربية في مجالات الحياة كلها .
وكان له ما أراد في كثير من دول الخليج العربي خاصة في جانبي الحكم والتشريع والجانب الاجتماعي ، فنُحيت الشريعة الإسلامية عن الحكم والتشريع واستُعيض عنها بالقوانين الوضعية ، واستطاع التيار التغريبي أيضا اختراق المجال الاجتماعي ففرض التبرج والسفور والاختلاط بين الجنسين في أماكن العمل والتعليم ، وجعل من حرية الفتاة سلوكا وفكرا شائعا في الأوساط الخليجية .
وظهر هذا منذ السبعينات الهجرية وبلغ قوته في التسعينات ثم عاد للانحسار مرة أخرى .
إلا أن التيار التغريبي وإن حقق نجاحا في بعض دول الخليج إلا أن نجاحاته محدودة .
التيار الصوفي[10] :
لقد كان التيار الصوفي منكفئا على نفسه ، منحصرا في تجمعات متناثرة ليس لها حضور ولا قبول في المجتمع الخليجي ، يقوم نشاطها في الغالب على عقد مجالس الذكر وإقامة الموالد .
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تحديدا ظهر التصوف من خلال شخصيات ورموز ، وكتب ومقالات ، ودعوات وقنوات ، وأضحى تجمعا له مطالبه وخططه .
ولذا فلا يمكن اعتبار ظهور التصوف على هذا النحو من غير رعاية غربية ترى فيه بديلا عن الإسلام السني المتشدد بزعمهم .
وإذا تأملنا التيارات والمذاهب في الخليج العربي : التيار الرافضي والصوفي والتغريبي فسنلحظ عليها ما يلي :
1-اندفعت هذه التيارات نحو مشاريعها بصورة ملحوظة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر خصوصا ، وهذا لا يحتاج إلى مزيد إثبات ، إذ إن واقع هذه التيارات والمذاهب يشهد بأنها شهدت نشاطا وحرية وجرأة غير مسبوقة، في حين لقيت رموز ومؤسسات ومنظمات ومعاهد العمل الخيري والدعوي السني تضييقا ومحاصرة في دول العالم .
2-لقد رأت القوى الغربية في هذه التيارات والمذاهب سندا لها في ضرب الإسلام في الخليج العربي ، فكان لها من خلال سفاراتها تنسيق معلن مع الرموز والجمعيات الشيعية في الخليج ، وترددت شخصيات تغريبية على السفارات الأجنبية لتتلقى منها الدعم والتوجيه وظهر في هذه الفترة مصطلح (زوار السفارات) ، وأكدت التقارير الغربية كتقرير (راند) أهمية التحالف مع المذهب الصوفي ليكون بديلا عن الإسلام السني في الخليج أو مزاحما له .
3-عقدت هذه التيارات الثلاثة : الرافضي والصوفي والتغريبي تحالفا ، يقوم على أن العدو المشترك : هو السلفية ، وظهر هذا التحالف في زيارات متبادلة بين رموز هذه التيارات ، وتعاون في الوسائل والآليات .
4-تستهدف هذه التيارات والمذاهب العقيدة الإسلامية ، ونشر الفوضى الأخلاقية ، وإسقاط الحكومات الخليجية .
أما التيار الرافضي فإن إسقاط الأنظمة في الخليج هي القضية الرئيس والهدف الأساس تقريرا لمبدأ الإمامة في المذهب الرافضي ، وعملا على تحقيق حلم (إيران) بالسيطرة على الخليج .
أما التيار التغريبي فهو يهدف إلى نشر الفوضى الفكرية والأخلاقية ، بالدعوة إلى الإلحاد وتشجيعه وحماية أهله ، وإحياء الدعوات الجاهلية والمذهب المنحرفة ومساندتها . أما نشر الفوضى الأخلاقية فبدعوته للاختلاط بين الجنسين والتبرج والسفور وحرية الفتاة غير المنضبطة ، بل يعتبر الانحراف الأخلاقي شأنا خاصا لا يخضع لمبدأ الحلال والحرام .
أما التيار الصوفي فهو يهدف إلى نشر الخرافة والتعلق بغير الله تعالى ، وإحياء البدع العملية والاعتقادية ، فهو يعمل على الدعوة إلى كل ما ينافي التوحيد إما أصله وإما كماله .
المعلم الرابع : سبل مواجهة التيارات الفكرية في الخليج :
إن صراع أهل السنة في الخليج العربي مع التيارات والمذاهب المنحرفة صراع وجود ، لأن الخلاف معها حول : الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة ، ولذا فيجب مواجهة تلك التيارات والمذاهب بكل السبل والوسائل الممكنة ، من ذلك ما يلي :
1-الاهتمام بالتوحيد الخالص لله تعالى دعوة وتعليما وتدريسا في المدارس والجامعات والمساجد والبرامج الإذاعية والتلفزيونية .
2-الاهتمام بعلم الفرق والمذاهب بتدريسه وتعليمه وإلقاء المحاضرات وعقد الندوات حوله .
3-كشف حقيقة تلك المذاهب والتيارات ،وبيان عقائدها ،وفضح تحالفاتها وخططها .
4-بث الوعي بما يواجهه الخليج العربي من تحديات توجب التنبه والتيقظ لمواجهة هذه التحديات والحد من آثارها .
5-إيجاد برامج تعليمية ودعوية توجه لشرائح المجتمع تستهدف : التحصين العقدي ، والحماية الأخلاقية ، وتعزيز التدين في النفوس .
هذا ما أردت عرضه وبيانه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
(1)الشرق الأقصى : لفظ يطلق على أبعد جزء من شرقي آسيا ويشمل الصين واليابان وكوريا . الموسوعة العربية العالمية ، الرياض ، (14/96) .
(2) الهلال الخصيب : منطقة على شكل الهلال في جنوب غربي آسيا ، وهي تشمل العراق والأردن ولبنان وسوريا وفلسطين . الموسوعة العربية العالمية ، (26/112) .
(3) بتصرف : أمن الخليج العربي ، عبدالله العنزي ، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية ، الكويت ، العدد (83) ، ص(5) . .
(4)بتصرف : صناعات النفط في الخليج العربي ، علي الكواري ، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية العدد(17) ص(9) .
(5)ينظر : خصائص جزيرة العرب ، بكر بن عبدالله أبو زيد .
(6)ينظر : أفيقوا أيها المسلمون قبل أن تدفعوا الجزية ، عبدالودود شلبي .
(7) ينظر : المدارس الأجنبية في الخليج ، عبدالعزيز البداح ، ص(111) .
(8) ينظر : التيارات الفكرية في الخليج العربي ، مفيد فوزي . ص(19-132) . التنظيمات اليسارية في الجزيرة العربية والخليج العربي ، عبدالنبي العكري ، ص(13-72) .
(9) تكلمت مفصلا عن الرافضة في الخليج في كتابي : (حركة التشيع في الخليج العربي) فليرجع إليه من أراد الاستزادة .
(12) تكلمت مفصلا عن الصوفية في الخليج في كتابي : (حركة التصوف في الخليج العربي) فليرجع إليه من أراد الاستزادة .