المقالات

عقبات تعترض الداعيات عرض وتحليل ومناقشة

محاضرة أُلقيت في المكتب التعاوني بتبوك ضمن برنامج تأهيل الداعيات

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،،،
فعنوان هذا اللقاء “عقبات تعترض الداعيات عرض وتحليل ومناقشة” وتأتي أهمية هذا الموضوع أن هذه العقبات قد تكون سبب لانقطاع الداعية عن الدعوة، أو ضعف أدائها، أو توقفها في منتصف الطريق، ولهذا من المهم عرض هذه العقبات، والبحث عنها من خلال واقع الدعوة ومناقشتها، وبيان السبل التي تعين على تجاوزها وتخطيها.
هذه العقبات يمكن تقسيمها إلى قسمين:
• القسم الأول: عقبات ذاتية .
• والقسم الثاني: عقبات اجتماعية .
العقبات الذاتية:
المراد بالعقبات الذاتية ما يعود إلى ذات الداعية، وأول هذه العقبات ضعف التأهيل، والمقصود بضعف التأهيل: هو ضعف التأهيل العلمي والعملي.
ولهذا من المهم للداعية أن تنظر في نفسها، وترى جوانب القصور والضعف والخلل، سواءً من الناحية العلمية أو العملية، وتسعى إلى تسديدها وسد الثغرات الموجودة عندها.
وأعظم تأهيل يُشترط في الداعية هو العلم الشرعي وكلما كانت الداعية أقوى في العلم الشرعي كلما كانت أكثر تأهيلًا للقيام بهذا الواجب العظيم، وكلما ضعف هذا الجانب عندها، كلما ضعف هذا التأهيل الذي يمكنها من القيام بهذا الواجب العظيم، فلا يصح مثلًا للداعية أن تكون بضاعتها في العلم الشرعي مزجاة، أو أن مستواها العلمي ضعيف، وتصبح الداعية بسبب ذلك تعتمد على التحضير السريع أو تعتمد على كلمات مكررة ترددها في لقاءاتها .
إذا كان عند الداعية حصيلة علمية، فإن هذا يجعل طرحها أقوى، ويجعل دعوتها أمتن، ويجعل مناقشتها للموضوعات أعمق، وإذا ضعف هذا الجانب أثر على مستوى طرحها ومناقشتها، لهذا من المهم أن تعتني الداعية بالجانب العلمي، ومما يلاحظ هنا انصراف كثيرًا من الداعيات عن العلم الشرعي، بل أحيانًا نتيجة هذا البعد تصور بعض الناس أن هناك فرق بين العلم والدعوة، أو أن هناك فرق بين طلاب العلم أو طالبات العلم والدعوة أو الداعيات، وكأن هذا مسار وهذا مسار، وهذا ليس بصحيح، فإن الدعوة لا تقوم إلا على العلم، وإن طلاب العلم والعلماء هم الدعاة، ولا يصح أبدًا أن يُفصل بين العلم والدعوة، أو أن يُجعل الدعاة في جانب وطلاب العلم في جانب.
وهذا تراه واضحا في الدروس العلمية، وفي الدورات العلمية، ترى عزوفا واضحا من الداعيات عن الحضور والاستفادة، لذا من المهم إذا أرادت الداعية أن تكون مؤهلة للدعوة إلى الله أن تحرص على طلب العلم وتحصيله.
وعندما تضعف الداعية من الناحية العلمية فإنها تكون بين أمرين:
• أن تترك هذه الدعوة، وهذه المهمة العظيمة.
• أن تستمر فيها على ضعفٍ ووهن.
وهذا كله غير محمود ، فإذ ذكرنا أن ضعف التأهيل يكون واضحًا في الناحية العلمية، فهو أيضًا واضح في الناحية العملية ، عندما يكون عند الداعية ضعف في الإلقاء، أو ضعف في انتقاء الكلمات والجمل والمفردات، أو ضعف في النحو، أو ضعف في البلاغة، أو ضعف في استحضار الشواهد من القرآن والسنة، أو من الشعر، أو من سير السلف، هذه كلها جوانب ينبغي أن يكون حظ الداعية منها كبيرًا، فإذا كان عندها ضعف في هذا الجانب، فإنه ينبغي تسديده، ومن الخطأ أن تتجاهل الداعية ضعفها، لأن بعض الناس يتجاهل أو يتناسى أخطائه، وعيوبه وقصوره فمثلًا إذا كان عند الداعية لحن في القرآن الكريم، أو عندما تكون الداعية ضعيفة في اللغة العربية وتقع في اللحن الجلي مثلًا، أو عندما تكون الداعية ضعيفة من ناحية علم الحديث تورد القصص واهية أو الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وهكذا في جوانب كثيرة ، لهذا من المهم في حق الداعية أن تحرص أن تسدد الضعف الموجود عندها سواءً من الناحية العلمية أو من الناحية العملية.
وإذا كانت الداعية مؤهلة علميًا وعمليًا، فإنه في الغالب يكون هذا معينًا على الاستمرار في دعوتها ويكون الانتفاع من دعوتها أكثر، هذا فيما يخص العقبة الأولى التي هي ضعف التأهيل.
عندنا العقبة الثانية: الفتور، والمراد بالفتور: الكسل والقعود عن الاستمرار في العمل، وقد جاء عند الإمام أحمد «لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدِ اهْتَدَى وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هلك».
ومن الأصول في العبودية أن المؤمن يديم العبادة ويستمر عليها، كما قال –عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]؛ فعلَّق انقطاع التقوى بالموت والانتقال من الدنيا إلى الآخرة، وقال –عز وجل-: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾[الحجر:99]؛ يعني الموت.
فحياة الإنسان ليلة ونهاره، وقيامة وقعوده، وأحواله كلها محل للطاعة والعبادة، جاء في البخاري أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يذكر الله على كل أحيانه، وقال –عز وجل-عن عباده المؤمنين: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾[آل عمران:191].
وقد جاء في البخاري أيضًا: «أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل»؛ فالأصل أن الداعية تستمر في دعوتها، ولا تنقطع عنها، لكن النفس البشرية لها إقبال وإدبار، وهناك أسباب تعين على إدامة العمل والاستمرار فيه، وهناك أسباب تؤدي إلى الفتور والكسل والانقطاع، المهم أن نعرف أن الأصل أن الداعية تستمر في عملها، ولا تنقطع ولا تكسل، فإذا أصابها نوع من الفتور فتأخذ بالأسباب الطاردة له، ومن أعظمها الاستعانة بالله –عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾[البقرة:153]؛ فتستعين الداعية بالله –عز وجل- وتكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإن لا حول ولا قوة إلا بالله كنزٌ من كنوز الجنة، وفيها أن العبد يفوض الأمر إلى الله –عز وجل- ويبرأ من حوله وطوله وقوته، ويستعين بالله –عز وجل- على طاعته.
وتكثر الداعية من دعاء الله وسؤاله، وقد جاء عند أبي داوود أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لمعاذ بن جبل: والله إني لأحبك يا معاذ، فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»، فالداعية تكثر من سؤال الله –عز وجل- ودعائه أن يشرح صدرها للعمل وأن يثبتها عليه وأن يصرف قلبها إلى طاعته -سبحانه- وقد كان من دعائه –عليه الصلاة والسلام- «يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك» خرّجه مسلم؛ فتجتهد الداعية في سؤال الله –عز وجل- وسؤاله أن يصرف قلبها إلى طاعته، وأن يعينها على مرضاته، وأن يهيأ لها الأسباب التي تحملها وتدفعها إلى ذلك.
أيضًا من الأسباب الطاردة للفتور النظر في سير الصالحين والأئمة المهدين من الأنبياء والرسل وأتباعهم، وأيضًا لا تغفل الداعية النظر في سير المعاصرين ممن وفقوا للعمل في طاعة الله –عز وجل- وإدامة ذلك حتى الموت، لأن أصل هذ المسألة يعود إلى أن الله –عز وجل- يختار من شاء من خلقه فيستعملهم في طاعته، وهذا من أعظم المنن، وأكبر النعم على العبد أن يستعمله الله –عز وجل- في طاعته، فيوفقه للعبادة، ويعينه عليها، ويشرح صدره لفعلها.
أيضًا من الأسباب التي تطرد الفتور: مصاحبة أهل الهمم العالية وترك أهل الهمم الضعيفة، وتأثير هذا الفريق وذاك الفريق تأثيرٌ كبير ولهذا من أعظم أسباب النجاح في الدنيا والآخرة، أن يوفق الإنسان لصحبة تعينه على الخير وتشجعه عليه وتحثه على المضي فيه، فإذا أخذت الداعية بهذه الأسباب فحريٌ أن تطرد الفتور، وأن يذهب عنها الكسل.
أيضًا من العقبات التي تعترض الداعية: عدم تحديد المسار، أحيانًا تكون النية الطيبة والرغبة الصادقة في إفادة الناس ونفعهم ودعوتهم موجودة لدى الداعية، لكن الداعية لا تعرف من أين تبدأ ولا أي طريقة تسلك، ولهذا من المهم أن الداعية تحدد مسارها الذي تسلكه، ونقطة انطلاقها في الدعوة.
وتحديد المسار يكون بالنظر في أمرين:
• الأمر الأول: القدرة
• والأمر الثاني: الرغبة
نحدد مسارنا وطريقنا وبداية انطلاقنا بالنظر إلى قدراتنا، والنظر إلى رغباتنا، فمن الداعيات مثلًا من يكون عندها قدرة على مخاطبة الكبيرات، ولغتها مناسبة للتعامل معهن، ولديها مُكنة في التأثير عليهن، فهي حينئذٍ عرفت مسارها.
من الداعيات من لا تستطيع تحمل كبيرات السن، أو لا تجيد التعامل معهن، لكنها تجد قدرة في التعامل مع الصغيرات مثلًا.
بعض الداعيات عندها قدرة في تعليم القرآن، لأنها متمكنة فيه تحفظه أو تحفظ أكثره، وهي متقنة له، فهي حينئذٍ حددت مسارها في تعليم القرآن، بعض الداعيات عندها قدرة في الوعظ، وعرض الرقائق وترغيب الناس وترهيبهم، ترغيبهم في طاعة الله وجنته وثوابه، وترهيبيهم من معصيته وناره وعقابه، فقد حددت مسارها وهكذا.
فإذا عرفت الداعية قدرتها فإنها تحدد مسارها، وإذا سلكت الداعية طريقًا لا يتناسب مع قدراتها، فإنها قد تفشل فيه أو لا تؤديه كما يجب، أو تنقطع عن المضي فيه.
الأمر الثاني الذي ينبغي النظر فيه عند تحديد المسار: الرغبة، وهذا ينطبق على الأمثلة التي ذكرت لكِ قبل قليل، فتنظر إلى رغبتها، هل ترغب في تدريس القرآن؟ أو ترغب في إلقاء الكلمات والمحاضرات؟ هل ترغب في مخاطبة الكبيرات، أو تعليم الصغيرات؟ فإذا عرفت رغبتها، فإن هذا يعينها على تحديد مسارها.
من العقبات الذاتية: العبث في إدارة الوقت، أو تحديد الأولويات، الأصل أن الداعية تكون جادةً في ضبط وقتها وحياتها، لأن العبث من شأن الكفار، وحال أهل النار كما قال –عز وجل- ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾[المؤمنون:115]؛ وفي قوله -سبحانه-: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾[القيامة:36]، وفي قوله -عز وجل-: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾[محمد:12].
هذا هو شأن الكفار، أما المؤمنة، فإنها جادةٌ في حياتها، ومن صور الجد تنظيم الوقت، ومن صور الجد ترتيب الأولويات، ومن صور الجد تقديم الواجبات، الواجب الآكد على ما دونه وهكذا، لهذا كثير من الناس وليس الداعيات فحسب ضحايا تضييع الأوقات، وتزجيتها من غير فائدة، وعدم ترتيب الأولويات، وعدم وضع كل واجب في مكانه حسب آكديته وأهميته.
لهذا من المهم أن الداعية يكون عنده أولًا احترام للوقت، وتعظيم له بناءً على استشعارها أن هذا الوقت هو الحياة، وأيضًا ترتيب الأولويات، والحرص على أنها لا يمضي شيئًا من وقتها من غير أن تستفيد أو تُفيد .
هذه هي العقبات الذاتية أو بعضها وبعض حلولها وسبل التخلص منها .
العقبات الاجتماعية :
عندنا بعد ذلك عقبات اجتماعية ،هذه العقبات الاجتماعية كثيرة، لكن من أول هذه العقبات أعباء الأسرة، الأسرة أحيانا سبب لإضعاف الداعية في جانب الدعوة، بحكم أن المرأة مسئولة عن أهل بيتها ومسئولة عن رعيتها، فإن عليها واجبات يجب أن تؤديها ولا يجوز لها أن تخفق فيها أو تقصر فيها، لكن الداعية الناجحة هي التي تستطيع إدارة الأسرة إدارة جيدة وناجحة، بحيث لا تؤثر على عملها في الدعوة، وهذا يكون من خلال مراعاة الحق الأدنى للأسرة، أو الواجب الأدنى للأسرة، فلا يصح للداعية أن تكون دعوتها سبب في إضعاف أو في ضعف أداء الحد الأدنى، أو الواجب الأدنى من حقوق الزوجة والأولاد، فهذا أول خطوة لمواجهة هذه العقبة.
الأمر الثاني: أنها تحاول قدر المستطاع أن تبذل شيء من الفضل والمعروف والزيادة متى استطاعت، لتخفف من آثار انشغالها عن أسرتها أو غيبتها عن بيتها، المهم إن مواجهة هذه العقبة تكون بالإدارة الناجحة للوقت والإدارة الناجحة في التعامل مع الأسرة، والقيام بالحد الأدنى من الواجب، لكن في هذا المقام ينبغي أن يُعلم أنه لا يصح أن تكون الدعوة عذرا للتقصير في القيام بواجب البيت، أو تحمل أعباء الأسرة.
وهنا أمر ينبغي ألا يغيب عنا وهو: أن كثيرًا من الناجحين عندهم كثير من الأعباء والمسئوليات، ومع ذلك استطاعوا أن يحققوا نجاحات كثيرة، والسبب في هذا توفيق الله –عز وجل- لهم، وإعانته إياهم، وأنهم استطاعوا بشيءٍ من التنظيم والترتيب وتحديد الأولويات أن يتجاوزوا هذه العقبة، ولهذا هذه العقبة إنما هي موجودة عند من ليس عندها قدرة على تنظيم وقتها وترتيب أولوياتها، أما من لديها هذا الأمر فإنها ستتجاوز هذه العقبة، بل لا توجد هذه العقبة في حياتها أصلًا.
عندنا أيضًا من العقبات التي تعترض الداعية ضعف المعين، وهذا الأمر ليس خاصًا بالداعية، بل أئمة الدعاة وهم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، واجهوا هذا الأمر فما كان لهم من معين إلا الله –عز وجل-، وقد جاء في البخاري:(يأتي النبي ومعه الرهط، ويأتي النبي ومعه الرجل والرجلان ، ويأتي النبي وليس معه أحد). وكان من دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المشهور وفيه كلام في إسناده، لما رجع من الطائف «اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس».
وكلما تأخر الزمن واشتدت غربة الدين، كلما قل المعين وضعف الناصر، لكن الداعية تستعين بالله –عز وجل- وهو -سبحانه- قادرٌ على إعانتها، لهذا ينبغي للداعية ألا تنظر إلى هذا الأمر وأن تمضي في دعوتها، وتتسلح بسلاح الصبر، والنظر في سير الصابرين من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، الذين صبروا على دعوتهم، على الرغم من ضعف المعين وقلة الناصر.
وضعف المعين وقلة الناصر هذا اختبار وامتحان للداعية، ليُنظر هل تصبر في دعوتها وتستمر في طريقها أم أنها تتراجع وتضعف؟
عندنا أيضًا من العقبات، الخلاف في الوسط الدعوي، العمل في ظل الجماعة لابد أن يعتريه شيء من وقوع الشاحن أو التدابر أو التقاطع أو التنافس، وهذا أمر طبعي، ومن القواعد العامة في الحياة أن الحياة لا تصفو لأحد، بل هي جبلت على الأكدار، وما من أحدٍ في حياته مرتاح تمام الراحة، بل لابد من منغصات ومكدرات، ولهذا المؤمن لا يحسد أحدًا، لأن الإنسان مهما أوتيَّ من المال أو الجاه أو المنصب أو العلم أو المكانة، فلابد أن يكون عنده من المنغصات والمكدرات ما ليس عند ذاك، ولهذا فوجود الخلاف في الوسط الدعوي أمر طبعي.
فإذا عرفنا أنه أمر طبعيٌ فإننا حينئذٍ نتعايش معه، ولا نستغربه، والتعايش معه يكون أحيانًا باتخاذ سياسة الاحتواء ولملمة المشكلات، وأحيانًا يكون بالتغافل والتجاهل، وأحيانًا يكون بالإحسان وبسط اللسان واليد بالمعروف، وأحيانًا يكون بمقابلة الإساءة بالإحسان، وهذا كله يحتاج إلى صبر كما قال –عز وجل-: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[فصلت:33].
ثم بيَّن –سبحانه- فقال: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ﴾[فصلت:34]؛ يعني بعد أن ذكر الدعوة، وأنها أفضل المقال، قال -سبحانه- بعد ذلك: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾[فصلت:34]؛ يعني صديقٌ مخلص، ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾[فصلت:35].
فالداعية تحتاج في عملها الجماعي إلى أن تتحلى بالخلال التي ذكرتها قبل قليل حتى تتمكن من التعايش مع هذا الوسط أو المحيط .
المقصود أن الداعية تواجه في دعوتها عقبات، لكنها ترجع في تجاوزها إلى الاستعانة بالله –عز وجل-، وسؤاله وتصحيح النية، وتجريد القصد والافتقار إلى الله –عز وجل-، واللجوء إلى الصلاة، والإكثار من السجود، والإطراح بين يدي الله –عز وجل- حتى يعينها على تجاوز هذه العقبات.
هذا ما أردت عرضه ،،،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Print Friendly, PDF & Email

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى